يوم عرفة / الحج عرفة
الدليل على أن الوقوف بعرفة ركن: مكان الوقوف بعرفة: أما مكان الوقوف بعرفة فعرفات كلها موقف؛ لما أخرجه أحمد عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ”. وحدّ عرفة من الجبل المشرف على عرفة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر. وليس وادي “عرفة” من الموقف، ولا يجزئ الوقوف فيه عن الوقوف بعرفة، قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن من وقف به لا يجزئه. وحكي عن مالك أنه يهريق دمًا وحجه تام، والحديث الذي أخرجه ابن ماجه وذكرناه لا يساعد على قبول قول مالك بل يدفعه، فالصواب هو ما قاله ابن عبد البر. والمستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة، ويستقبل القبلة لما جاء في حديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات واستقبل القبلة. وقت الوقوف بعرفة: وقت الوقوف بعرفة من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر. قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن آخر الوقت -وقت الوقوف بعرفة- طلوع فجر يوم النحر. قال جابر:” لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع “مزدلفة”، قال أبو الزبير: فقلت لجابر: أقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك؟ قال: نعم” رواه الأثرم. وأما أول وقت الوقوف بعرفة فمن طلوع الفجر يوم عرفة، فمن أدرك عرفة في شيء من هذا الوقت وهو عاقل فقد تم حجه. وقال مالك والشافعي: أول وقفة زوال الشمس من يوم عرفة. وبهذا قال الحنفية، فقد قال الإمام الكاساني: وأما زمان الوقوف بعرفة فمن حين تزول الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، حتى لو وقف بعرفة في غير هذا الوقت كان وقوفه وعدم وقوفه سواء؛ لأنه فرض مؤقت فلا يتأدَّى في غير وقته. واحتج ابن قدامة الحنبلي لمذهبه من أن وقت الوقوف بعرفة من طلوع فجر يوم عرفة بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا، فقد تم حجه، وقضى تفثه”، كما احتج بأن من طلوع فجر يوم عرفة إلى الزوال يعتبر من يوم عرفة، فكان وقتًا للوقوف كبعد الزوال. وترك الوقوف قبل الزوال لا يمنع كونه وقتًا للوقوف كبعد الزوال. وإنما وقفوا في وقت الفضيلة، ولم يستوعبوا جميع وقت الوقوف. الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس: ويجب الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس من يوم عرفة –وهو اليوم التاسع من ذي الحجة- ليجمع بين الليل والنهار بعرفة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف بعرفة حتى غابت الشمس. فإن دفع -أي خرج- من عرفات قبل الغروب فحجه صحيح في قول جماعة الفقهاء إلا الإمام مالكًا قال: لا حج له. قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك. وحجة الإمام مالك ما رواه ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل”. ولكن يرد على هذا الاحتجاج ما جاء بالحديث الذي أخرجه ابن ماجه، واحتج به ابن قدامة في “المغني” وذكرناه في الفقرة السابقة، وفيه جواز الوقوف بعرفة نهارًا أو ليلاً، وإنما ذكر الليل في الحديث الذي احتج به الإمام مالك؛ لأن الليل آخر الوقت، وفوات الحج يتعلق بفواته، وهذا يشبه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ”. ثم إن الحديث الذي احتج به الإمام مالك ليس فيه أن من لم يدركها بليل لم يدرك الحج. من لم يقف بعرفة إلى غروب الشمس.. ماذا عليه؟ ومن دفع -أي غادر عرفات- قبل غروب الشمس فحجه صحيح ـ كما قلنا ـ ولكن عليه دم، أي ذبح شاة، كفارة تركه واجب البقاء بعرفة إلى غروب الشمس، وهذا في قول أكثر أهل العلم منهم: عطاء، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وهو مذهب الحنابلة. ولكن لو رجع من عرفات قبل الغروب ثم عاد نهارًا فوقف حتى غربت الشمس فلا دم عليه، وبهذا قال الحنابلة، ومالك، والشافعي. وقال فقهاء الكوفة وأبو ثور: عليه دم؛ لأنه بمغادرته عرفات قبل غروب الشمس لزمه الدم فلا يسقط عنه برجوعه إلى عرفات، كما لو عاد إليها بعد غروب الشمس. واحتج الحنابلة لقولهم بأنه أتى بالواجب، وهو الجمع بين الوقوف في الليل والنهار، فلم يجب عليه دم كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم رجع إلى الميقات -مكان الإحرام- فأحرم منه فليس عليه شيء. فإن لم يرجع إلى عرفات حتى غربت الشمس فعليه دم؛ لأن عليه الوقوف حال الغروب، وقد فاته بخروجه من عرفات قبل الغروب. من جاء عرفات ليلاً فحجه صحيح ولا شيء عليه: ومن جاء عرفات ليلاً ووقف بها ولم يدرك جزءاً من النهار فحجه صحيح ولا شيء عليه، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج”؛ ولأنه لم يدرك جزءاً من النهار حتى يجب عليه الوقوف إلى الليل -أي إلى غروب الشمس. مقدار الوقوف بعرفة وصفته: والقدر المفروض من الوقوف بعرفة هو كينونته بعرفة في أي جزء من وقت الوقوف الذي بينّاه؛ سواء كان عالمًا بهذا الوقوف ومكانه أو جاهلاً، نائمًا أو يقظان، صاحيًا أو مغمى عليه، وقف بها أو مر بها مجتازًا، ماشيًا كان أو راكبًا أو محمولاً، ناويًا الوقوف بعرفة أو غير ناوٍ؛ لأنه أتى بالقدر المفروض عليه وهو حصوله كائنًا بعرفة. ودليل ذلك عموم قوله-صلى الله عليه وسلم-: “من وقف بعرفة فقد تم حجه”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “.. وقد أتى عرفات ليلاً أو نهارًا”. وقال أبو ثور: لا يجزئه الوقوف بعرفة إلا إذا كان وقوفه بإرادته واختياره وعلمه بأنه يقف بعرفة. وقد ردّ على قول أبي ثور بعموم الحديثين المذكورين، وبأنه حصلت له الكينونة بعرفة في زمن الوقوف وهو عاقل فأجزأه، كما لو علم بذلك وأراده. وقوف الحائض والجنب بعرفة: ولا يشترط لمن يقف بعرفة الطهارة ولا استقبال القبلة. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من وقف بعرفة غير طاهر فوقوفه صحيح، وهو مدرك للحج ولا شيء عليه. وفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- وهي حائض: “افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي” دليل على أن وقوف الحائض وكذا الجنب جائز. وروى الإمام البخاري في “صحيحه” عن عطاء، عن جابر قال: حاضت عائشة فنسكت المناسك غير الطواف بالبيت ولا تصلي. دليل أيضًا على أن وقوف الحائض بعرفة جائز ولا شيء فيه بعد أن يكون الحاج قد أدى مناسك العمرة.. يبدأ رحلة الحج تلك الرحلة المباركة التي طالما اشتاقت نفسه إليها وتبدأ أولى محطاتها في اليوم الأول للحج يُسمى اليوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية). قبل نية الدخول في النسك وليس الإحرام، يستحب للمتمتع أن يغتسل ويتنظف ويقص أظافره ويحف شاربه ويلبس الإزار والرداء الأبيضين (وأما المرأة فتلبس ما شاءت غير القافزين والنقاب وهو البرقع) وأما القارن والمفرد فيكون عليهما الإحرام من قبل فلا يفعلان كما يفعل المتمتع من قص وغيره. وفي وقت الضحى من هذا اليم، تحرم من المكان الذي أنت نازل فيه (حيث تنوي أداء مناسك الحج) ثم تقول: لبيك حجًا، وهو ما يُسمى بـ (الإهلال بالحج). إن كنت خائفًا من عائق يمنعك من إتمام الحج فاشترط وقل بعد الإهلال بالحج (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني)، وإن لم تكن خائفًا فلا تشترط؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يشترط. بعدما تنوي الحج يجب عليك أن تتجنب محظورات الإحرام جميعًا، ثم تكثر من التلبية، وهي (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) ولا تقطعها حتى ترمي جمرة العقبة في اليوم العاشر من ذي الحجة. ثم تنطلق إلى منى وأنت تلبي؛ حيث تصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كل صلاة في وقتها، حتى تصلي الرباعية منها ركعتين (قصرًا) بلا جمع. لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على شيء من السنن الرواتب في السفر إلا سنة الفجر والوتر. وينبغي أن تحافظ على الأذكار الثابتة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة، وأذكار الصباح والمساء، والنوم وغيرها، ثم تبيت في منى هذه الليلة. ثاني أيام الحج ( أعمال اليوم التاسع من ذي الحجة ) إذا صليت الفجر وطلعت عليك الشمس؛ فانطلق إلى عرفة وأنت تلبي وتكبر فتقول: (الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد)، ترفع بذلك صوتك. يكره لك صيام هذا اليوم؛ حيث وقف النبي –صلى الله عليه وسلم- مفطرًا، إذ أرسل إليه بقدح لبن فشربه. من السنة أن تنزل في نمرة إلى الزوال إن أمكن. ثم تكون هناك خطبة وبعدها تصلي الظهر والعصر جمع تقديم ركعتين (بأذان وإقامتين) ولا تصلِّ بينهما ولا قبلهما شيئًا من النوافل. ثم تدخل عرفة (وتتأكد أنك داخل حدودها)؛ لأن وادي عرفة ليس من عرفة. وتتفرغ للذكر والتضرع إلى الله عز وجل والدعاء بخشوع وحضور قلب. عرفة كلها موقف. وإن تيسر لك أن تقف عند الصخرات أسفل الجبل ـ الذي يُسمى جبل الرحمة ـ وتجعله بينك وبين القبلة فهو أفضل. وليس من السنة صعود الجبل كما يفعله البعض. أثناء الدعاء تستقبل القبلة رافعًا يديك تدعو بخشوع وحضور قلب حتى الغروب، ولا تنشغل بالضحك والمزاح أو النوم عن الدعاء كما هي حال الغافلين. وأكثر من قول (لا إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، كذلك التلبية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. لا تخرج من عرفة إلا بعد غروب الشمس. بعد الغروب تنطلق إلى مزدلفة بهدوء وسكينة، وإذا وجدت متسعًا فأسرع قليلا لأنها السنة. حين تصل تصلي المغرب والعشاء، والسنة أن تجمع المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين،و لا تصل بعدهما شيئًا إلا أن توتر، فإن كنت تخشى أن لا تصل مزدلفة إلا بعد منتصف الليل بسبب الزحام أو غيره؛ فإنه يجب عليك أن تصلي في الطريق، ولو لم تصل مزدلفة قبل خروج وقت الصلاة . والمهم في ذلك أن تصلي الصلاة قبل أن يخرج عليك وقتها. ثم تنام حتى الفجر.. أما الضعفاء والنساء فيجوز لهم الذهاب إلى منى بعد منتصف الليل. ثالث أيام الحج ( أعمال اليوم العاشر وهو يوم النحر ( العيد ) ) صلاة الفجر لجميع الحجاج في مزدلفة إلا الضعفاء والنساء. بعد صلاة الفجر والانتهاء من الأذكار عقب الصلاة تستقبل القبلة فتحمد الله، وتكبره وتهلله وتدعوه حتى يسفر الجو جدًا. ثم تنطلق قبل طلوع الشمس إلى منى ملبيًا، وعليك السكينة. إذا مررت بوادي “محسر” تسرع السير إن أمكن. تلتقط سبع حصيات من أي مكان من طريق مزدلفة أو من منى ثم عليك ما يلي: *ترمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى، وتكبر مع كل حصاة (وتقطع التلبية عند جمرة العقبة). تذبح الهدي وتأكل منه وتوزع على الفقراء (والذبح واجب على المتمتع والقارن فقط)، وتقول عند الذبح والنحر: (بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك ،اللهم تقبل مني) (مبتدئاً باليمين)، أما المرأة فتقصر بقدر أنملة( وهو طرف الأصبع )، وبذلك تتحلل التحلل الأول فتلبس ثيابك وتتطيب، ويحل لك جميع محظورات الإحرام إلا النساء، ولا يحل لك الجماع إلا بعد الحلق أو التقصير وطواف الإفاضة. *بعد ذلك تذهب إلى مكة، وتطوف طواف الإفاضة (دون رمل) وهو: الإسراع في المشي معتقدًا في الخطى أثناء الطواف ثم تصلي ركعتي الطواف. *ثم تسعى، والسعي على المتمتع فقط، وكذا القارن والمفرد اللذيْنِ لم يسعيا في طواف القدوم، وبذلك تتحلل التحلل الكامل. إن قدمت بعض هذه الأمور على بعض فلا حرج. وتشرب من ماء زمزم، وتصلي الظهر في مكة إن أمكن. ثم عليك المبيت بمنى باقي الليالي. رابع أيام الحج (أعمال اليوم الحادي عشر من ذي الحجة ) عليك المبيت بمنى، وعليك أن تحافظ على الصلوات الخمس مع الجماعة. واعلم أن هذه الأيام تُسمى أيام التشريق. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله)؛ فيسن فيها كثرة التكبير بعد الصلاة، وأن تكبر الله في كل حال وزمان: في الأسواق والطرقات وغيرها. ويبدأ رمي الجمرات الثلاث بعد الظهر (أي بعد الزوال). فتبدأ برمي الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى التي تُسمى العقبة. ترمي كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات ،واحدة بعد الأخرى، وتكبر مع كل حصاة. والسنة في رمي الجمرة الصغرى أن ترميها وأنت مستقبل القبلة والجمرة بين يديك، ثم تتقدم على الجمرة أمامها بعيدًا عن الزحام فتستقبل القبلة وتدعو طويلاً، وكان ابن عمر- رضي الله عنه- يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ سورة البقرة .(فتح الباري) وترمي جمرة العقبة مستقبلها جاعلاً الكعبة عن يسارك ومنى عن يمينك، ثم تذهب، ولا تقف للدعاء؛ حيث إن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يقف بعدها. ثم عليك المبيت بمنى. خامس أيام الحج (أعمال اليوم الثاني عشر من ذي الحجة ) عليك المبيت بمنى هذه الليلة. عليك أن تستغل وقتك بفعل الخيرات وذكر الله والإحسان إلى الخلق. وبعد الظهر ترمي الجمرات الثلاث، وتفعل كما فعلت في اليوم الحادي عشر، فترمي بعد الظهر الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى. وتقعد للدعاء بعد الصغرى والوسطى. وبعد أن تنتهي من الرمي إن أردت أن تتعجل في السفر جاز لك. إن نويت التعجل، فيلزمك الانصراف قبل غروب الشمس، وتطوف طواف الوداع. لكن التأخر للحاج أفضل؛ لقول الله تعالى: “فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى”، ولفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولنيل فضيلة الرمي. إذا أمكنك أن تصلي أثناء بقائك في منى أيام التشريق في مسجد الخليف كان أفضل؛ لأنه (صلى في مسجد الخليف سبعون نبيًا). سادس أيام الحج (أعمال اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ) بعد المبيت بمنى يوم الثاني عشر ترمي الجمرات الثلاث بعد الظهر، وتفعل كما فعلت في اليومين السابقين. فإذا عزمت الرجوع إلى بلدك فطف طواف الوداع، أما الحائض والنفساء فليس عليهما وداع. وبذلك تمت مناسك الحج، وتقبل الله منك إن شاء الله. بعض الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة ، ويفضل أن يدعو بها الحاج مثل :
من أهداف الحج توحيد كلمة المسلمينحمد لله الذي جعل البيت مثابة للناس وأمنا ، وجعله مباركا وهدى للعالمين ، وأمر عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء من بعد أن يوجه الناس ويؤذن فيهم بالحج بعد ما بوأ له مكان البيت ليأتوا إليه من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات؛ وأشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين الذي بعث رسله وأنزل كتبه لإقامة الحجة وبيان أنه سبحانه هو الواحد الأحد المستحق أن يعبد والمستحق لأن يجتمع العباد على طاعته واتباع شريعته وترك ما خالف ذلك ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . وخليله الذي أرسله سبحانه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين . بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وأمره أن يبلغ الناس مناسكهم ففعل ذلك قولا وعملا عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم . لقد حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع وبلغ الناس مناسكهم قولا وعملا ، وقال للناس خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا فشرح لهم أعمال الحج وأقوال الحج وجميع مناسكه بقوله وفعله عليه الصلاة والسلام . فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين من ربه عليه الصلاة والسلام ، فسار خلفاؤه الراشدون وصحابته المرضيون رضي الله عنهم جميعا على نهجه القويم وبينوا للناس هذه الرسالة العظيمة بأقوالهم وأعمالهم ونقلوا إلى الناس أقواله وأعماله عليه الصلاة والسلام بغاية الأمانة والصدق رضي الله عنهم وأرضاهم وأحسن مثواهم . وكان أعظم أهداف هذا الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق وإرشادهم إليه حتى يستقيموا على دين الله وحتى يعبدوه وحده وحتى ينقادوا لشرعه فمن أجل ذلك رأيت أن تكون كلمتي في هذا المقام بهذا العنوان ” من أهداف الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق ” وللحج أهداف كثيرة يأتي بيان كثير منها إن شاء الله . أما بعد : فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوة لي في الله في نادي مكة الثقافي الأدبي للتناصح والتعاون على الخير وبيان كثير من أهداف هذا المنسك العظيم وهو حج بيت الله الحرام ليكون حجاج بيت الله الحرام على بصيرة وليستفيدوا مما شرع الله لهم ومما قد يجهله كثير منهم . ثم أشكر القائمين على هذا النادي وعلى رأسهم الأخ الكريم الدكتور / راشد الراجح رئيس النادي ومدير جامعة أم القرى على دعوتهم لي لهذا اللقاء ، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه وأن يعين القائمين على النادي على كل خير وأن ينفع بجهودهم المسلمين وأن يجعلنا جميعا من الهداة المهتدين ومن أنصار الحق أينما كنا . أيها الإخوة في الله ، إن الله جل وعلا شرع الحج لعباده وجعله الركن الخامس من أركان الإسلام لحكم كثيرة وأسرار عظيمة ومنافع لا تحصى ، وقد أشار الله جل وعلا إلى ذلك في كتابه العظيم حيث يقول جل وعلا : قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ فبين سبحانه وتعالى أن هذا البيت أول بيت وضع للناس؛ أي في الأرض للعبادة والتقرب إلى الله بما يرضيه ، كما ثبت في الصحيحين في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أخبرني عن أول مسجد وضع في الأرض قال المسجد الحرام قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى قلت وكم بينهما؟ قال أربعون عاما قلت ثم أي؟ قال ثم حيث أدركتك الصلاة فصل فإنها مسجد فبين عليه الصلاة والسلام أن أول بيت وضع للناس هو المسجد الحرام وهو وضع للعبادة والتقرب إلى الله عز وجل كما قال أهل العلم . وهناك بيوت قبله للسكن ولكن المقصود أنه أول بيت وضع للعبادة والطاعة والتقرب إلى الله عز وجل بما يرضيه من الأقوال والأعمال ، ثم بعده المسجد الأقصى بناه حفيد إبراهيم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ، ثم جدده في آخر الزمان بعد ذلك بمدة طويلة نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام ، ثم بعد ذلك كل الأرض مسجد ، ثم جاء مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو المسجد الثالث في آخر الزمان على يد نبي الساعة محمد عليه الصلاة والسلام ، فبناه بعدما هاجر إلى المدينة هو وأصحابه رضي الله عنهم وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه أفضل المساجد بعد المسجد الحرام . فالمساجد المفضلة ثلاثة : أعظمها وأفضلها المسجد الحرام ثم مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ثم المسجد الأقصى . والصلاة في هذه المساجد مضاعفة؛ جاء في الحديث الصحيح أنها في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وجاء في مسجده عليه الصلاة والسلام أن الصلاة في مسجده خير من ألف صلاة فيما سواه ، وجاء في المسجد الأقصى أنها بخمسمائة صلاة ، وهي المساجد العظيمة المفضلة وهي مساجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . نص محاضرة ألقاها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في ” نادي مكة الثقافي الأدبي ” مساء السبت 28 / 11 / 1409 هـ وشرع الله جل وعلا الحج لعباده لما في ذلك من المصالح العظيمة . وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الحج مفروض على العباد المكلفين المستطيعين السبيل إليه كما دل عليه كتاب الله عز وجل في قوله سبحانه وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وخطب النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فقال : أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقيل يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال الحج مرة فمن زاد فهو تطوع فهو فرض مرة في العمر فما زاد على ذلك فهو تطوع على الرجال والنساء المكلفين المستطيعين السبيل إليه ، ثم هو بعد ذلك تطوع وقربة عظيمة ، كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وهذا يعم الفرض والنفل من العمرة والحج . وقال عليه الصلاة والسلام : من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه وفي اللفظ الآخر : من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه وهذا يدل على الفضل العظيم للحج والعمرة وأن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما وأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة . فجدير بأهل الإيمان أن يبادروا لحج بيت الله وأن يؤدوا هذا الواجب العظيم أينما كانوا إذا استطاعوا السبيل إلى ذلك . وأما بعد ذلك فهو نافلة وليس بفريضة ، ولكن فيه فضل عظيم ، كما في الحديث الصحيح : قيل يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله ورسوله قيل ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم أي؟ قال حج مبرور متفق عليه . وقد حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع وشرع للناس المنسك بقوله وفعله وخطب بهم في حجة الوداع في يوم عرفة خطبة عظيمة ذكّرهم فيها بحقه سبحانه وتوحيده ، وأخبرهم فيها أن أمور الجاهلية موضوعة وأن الربا موضوع وأن دماء الجاهلية موضوعة ، وأوصاهم فيها بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله والاعتصام بهما وأخبر أنهم لن يضلوا ما اعتصموا بهما ، وبين حق الرجل على زوجته وحقها عليه وبين أمورا كثيرة عليه الصلاة والسلام . ثم قال : وأنتم تُسْأَلُون عني فما أنت قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الأرض ويقول اللهم اشهد اللهم اشهد عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام . ولا شك أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة عليه الصلاة والسلام على خير الوجوه وأكملها ، ونشهد له بذلك كما شهد له صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم . وقد بين عليه الصلاة والسلام مناسك الحج وأعماله بأقواله وأفعاله . وكان خروجه من المدينة في آخر ذي القعدة من عام عشر ، محرما بالحج والعمرة قارنا من ذي الحليفة ، وساق الهدي عليه الصلاة والسلام ، وأتى مكة في صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة ولم يزل يلبي من الميقات من حين أحرم من ذي الحليفة بتلبيته المشهورة : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك بعدما لبى بالحج والعمرة عليه الصلاة والسلام . وكان قد خير أصحابه في ذي الحليفة بين الأنساك الثلاثة ، فمنهم من لبى بالعمرة ومنهم من لبى بهما ، وكان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالتلبية ، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم . . ولم يزل يلبي حتى وصل إلى بيت الله العتيق ، وبيّن للناس ما يقولونه من الأذكار والدعاء في طوافهم وسعيهم وفي عرفات وفي مزدلفة وفي منى . وبيّن الله جل وعلا ذلك في كتابه العظيم حيث قال جل وعلا : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إلى أن قال سبحانه وتعالى وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ الآية . فالذكر من جملة المنافع المذكورة في قوله تعالى لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ الآية ، وعطفه على المنافع من باب عطف الخاص على العام . وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله وشرع للناس كما جاء في كتاب الله ذكر الله عند الذبح وشرع لهم ذكر الله عند رمي الجمار . فكل أنواع مناسك الحج ذكر لله قولا وعملا . فالحج بأعماله وأقواله كله ذكر الله عز وجل وكله دعوة إلى توحيده والاستقامة على دينه والثبات على ما بعث به رسوله محمد عليه الصلاة والسلام . فأعظم أهدافه توجيه الناس إلى توحيد الله والإخلاص له والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما بعث الله به من الحق والهدى في الحج وغيره . فالتلبية أول ما يأتي به الحاج والمعتمر يقول : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ) يعلن توحيده لله وإخلاصه لله وأن الله سبحانه لا شريك له ، وهكذا في طوافه لذكر الله ويعظمه ويعبده بالطواف وحده ، ويسعى فيعبده بالسعي وحده دون كل من سواه ، وهكذا بالتحليق والتقصير وهكذا بذبح الهدايا والضحايا كل ذلك لله وحده ، وهكذا بأذكاره التي يقولها في عرفات وفي مزدلفة وفي منى ، كلها ذكر الله وتوحيد له ودعوة إلى الحق وإرشاد للعباد وأن الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده وأن يتكاتفوا في ذلك ويتعاونوا وأن يتواصوا بذلك وهم يأتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم . وهذه المنافع كثيرة جدا أجملها الله في الآية وفصلها في مواضع كثيرة ، منها الطواف وهو عبادة عظيمة ومن أعظم أسباب تكفير الذنوب وحط الخطايا ، وهكذا السعي وما فيهما من ذكر الله عز وجل والدعاء ، وهكذا ما في عرفات من ذكر الله والدعاء وما في مزدلفة من ذكر الله والدعاء ، وما في ذبح الهدايا من ذكر الله وتكبيره وتعظيمه ، وما يقال عند رمي الجمار من تكبير الله عز وجل وتعظيمه ، وكل أعمال الحج تذكر بالله وحده وتدعو المسلمين جميعا إلى أن يكونوا جسدا واحدا وبناءً واحدا في اتباع الحق والثبات عليه والدعوة إليه والإخلاص لله سبحانه في جميع الأقوال والأعمال ، وهم يتلاقون على هذه الأراضي المباركة يريدون التقرب إلى الله وعبادته سبحانه ، وطلب غفرانه وعتقه لهم من النار . ولا شك أن هذا مما يوحد القلوب ويجمعها على طاعة الله والإخلاص له واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه ، ولهذا قال عز وجل إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فأخبر سبحانه أنه مبارك بما يحصل لزواره والحاجين إليه من الخير العظيم من الطواف والسعي وسائر ما شرعه الله من أعمال الحج والعمرة وهو مبارك تحط عنده الخطايا وتضاعف عنده الحسنات وترفع فيه الدرجات ، ويرفع الله ذكر أهله المخلصين الصادقين ويغفر لهم ذنوبهم ويدخلهم الجنة فضلا منه وإحسانا إذ أخلصوا له واستقاموا على أمره وتركوا الرفث والفسوق كما قال صلى الله عليه وسلم : من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه والرفث هو الجماع قبل التحلل ، وما يدعو إلى ذلك من قول وعمل مع النساء كله رفث ، والفسوق : جميع المعاصي القولية والفعلية يجب على الحاج تركها والحذر منها ، وهكذا الجدال يجب تركه إلا في خير ، كما قال جل وعلا : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ الحج كله دعوة إلى طاعة الله ورسوله ، دعوة إلى تعظيم الله وذكره ، دعوة إلى ترك المعاصي والفسوق دعوة إلى ترك الجدال الذي يجلب الشحناء والعداوة ويفرق بين المسلمين ، أما الجدال بالتي هي أحسن فهذا مأمور به في كل زمان ومكان كما قال تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وهذا طريق الدعوة في كل زمان ومكان في البيت العتيق وغيره . يدعو إخوانه بالحكمة وهي العلم؛ قال الله تعالى وقال رسوله ، وبالموعظة الحسنة الطيبة اللينة التي ليس فيها عنف ولا إيذاء ، ويجادل بالتي هي أحسن عند الحاجة لإزالة الشبهة وإيضاح الحق . فيجادل بالتي هي أحسن بالعبارات الحسنة والأساليب الجيدة المفيدة التي تزيل الشبهة وتوجه إلى الحق دون عنف وشدة . فالحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه إلى الخير والإعانة على الحق ، فإذا التقى مع إخوانه من سائر أقطار الدنيا وتذاكروا فيما يجب عليهم وما شرع الله لهم كان ذلك من أعظم الأسباب في توحيد كلمتهم واستقامتهم على دين الله وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى . فالحج فيه منافع عظيمة ، فيه خيرات كثيرة ، فيه دعوة إلى الله وتعليم وإرشاد وتعارف وتعاون على البر والتقوى بالقول والفعل المعنوي والمادي ، هكذا يشرع لجميع الحجاج والعمار أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى ، متناصحين حريصين على طاعة الله ورسوله ، مجتهدين فيما يقربهم إلى الله ، متباعدين عن كل ما حرم الله . وأعظم ما أوجبه الله توحيده وإخلاص العبادة له في كل مكان وفي كل زمان ولا سيما في هذه البقعة العظيمة المباركة ، فإن من الواجب إخلاص العبادة لله وحده في كل مكان وفي كل زمان ، وفي هذا المكان أعظم وأوجب ، فيخلص لله عملا وقولا من طواف وسعي ودعاء وغير ذلك ، وهكذا بقية الأعمال كلها لله وحده جل وعلا مع الحذر من معاصي الله عز وجل ، ومع الحذر من ظلم العباد وإيذائهم بقول وعمل ، فالمؤمن يحرص كل الحرص على نفع إخوانه والإحسان إليهم وتوجيههم إلى الخير ، وبيان ما قد يجلهون من أمر الله وشرعه مع الحذر من إيذائهم وظلمهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؛ فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله بل يحب له كل خير ويكره له كل شر أينما كان ولا سيما في بيت الله العتيق وفي حرمه الأمين وفي بلد رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله جعل هذا الحرم آمنا ، جعله آمنا من كل ما يخافه الناس ، فعلى المسلم أن يحرص على أن يكون مع أخيه في غاية من الأمانة ينصحه ويرشده ولا يغشه ولا يخونه ولا يؤذيه لا بقول ولا بعمل ، فقد جعل الله هذا الحرم آمنا كما قال تعالى : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وقال جل وعلا : أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا فالمؤمن يحرص كل الحرص على تحقيق هذا الأمن ، وأن يكون بنفسه حريصا على الإحسان لأخيه وإرشاده إلى ما ينفعه ومساعدته دنيا ودينا على كل ما فيه راحة ضميره وإعانته على أداء المناسك ، كما أنه يحرص كل الحرص على البعد عن كل ما حرم الله من سائر المعاصي ، ومن جملة ذلك إيذاء العباد فإن ذلك من أكبر المحرمات ، وإذا كان مع حجاج بيت الله الحرام ومع العمار صار الظلم أكثر إثما ، وأشد عقوبة ، وأسوأ عاقبة فالحج والعمرة نسكان عظيمان من أعظم العبادة التي يترتب عليها خير عظيم ، ومنافع جمة ، وعواقب حميدة ، لسائر المسلمين في سائر أقطار الدنيا . فالصلوات الخمس يجتمع فيها العباد في كل بلد يتعارفون ويتناصحون ويتعاونون على البر والتقوى ، لكن الحج يجتمع فيه العالم كله من كل مكان ، فإذا كانت الصلوات هي من الخير العظيم لاجتماعهم عليها في أوقات خمسة ، فهكذا الحج في كل عام فيه خير عظيم والأمر فيه أوجب وأعظم من جهة دعوة الناس إلى الخير لأنهم يأتون من كل فج عميق ، وقد لا تلقى أخاك الذي تراه في الحج بعد ذلك ، وهكذا المرأة عليها أن تحرص وأن تبذل وسعها في إرشاد أخواتها في الله مما علمها الله . فالرجل يرشد لإخوانه وأخواته في الله من حجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمرأة كذلك ترشد لإخوانها وأخواتها في الله مما تعلم من الحجاج والعمار ، هكذا يكون الحج وهكذا تكون العمرة فيهما التعاون والتواصي بالحق والتناصح والإرشاد إلى الخير وبذل المعروف وكف الأذى أينما كان الحجاج والعمار ، في المسجد الحرام وفي خارج المسجد ، في الطواف وفي السعي وفي رمي الجمار وفي غير ذلك ، يحرص كل واحد على كل ما ينفع أخاه ويدرأ عنه الأذى في جميع أرجاء البلد الكريم ، وفي جميع مشاعر الحج يرجو من الله المثوبة ويحذر مغبة الظلم والأذى لإخوانه المسلمين ، وهذا كله داخل في قوله سبحانه : إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ وإنما كان مباركا وهدى للعالمين لما يحصل لقاصديه من الخير العظيم في هذا البيت العتيق من الطواف والسعي والتلبية والأذكار العظيمة يهتدون بها إلى توحيد الله وطاعته ، ويحصل لهم من التعارف والتلاقي والتواصي والتناصح ما يهتدون به إلى الحق ، ولهذا سمى الله بيته مباركا وهدى للعالمين لما يحصل فيه من البركة والخير العظيم من تلبية وأذكار وطاعة عظيمة ، تُبصِّر العباد بربهم وتوحيده وتذكرهم بما يجب عليهم نحوه سبحانه ، ونحو رسوله عليه الصلاة والسلام ، وتذكرهم بما يجب عليهم نحو إخوانهم الحجاج والعمار من تناصح وتعاون وتواصي بالحق ومواساة للفقير ونصر للمظلوم وردع للظالم وإعانة على كل وجوه الخير . هكذا ينبغي لحجاج بيت الله الحرام ولعماره أن يوطنوا أنفسهم لهذا الخير العظيم وأن يستعدوا لكل ما ينفع إخوانهم وأن يحرصوا على بذل المعروف وكف الأذى ، كل واحد مسئول عما حمَّله الله حسب طاقته كما قال سبحانه وتعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وجميع المسلمين لما فيه رضاه وصلاح عباده ، وأن يوفق حجاج بيته العتيق وعماره لما فيه صلاحهم ونجاتهم ولما فيه قبول حجهم وقبول عمرتهم ولكل ما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم ، كما أسأله سبحانه أن يرد جميع الحجاج إلى بلادهم سالمين موفقين مسترشدين مستفيدين من حجهم ما يسبب نجاتهم من النار ودخولهم الجنة واستقامتهم على الحق أينما كانوا . كما أسأل الله أن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير ، ولكل ما يعين الحجاج على أداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه سبحانه ، وقد فعلت الدولة وفقها الله الشيء الكثير من المشاريع والأعمال التي تساعد الحجاج على أداء مناسكهم ، وتؤمنهم في رحاب هذا البيت العتيق ، فجزاها الله خيرا وضاعف مثوبتها . ولا شك أن الواجب على الحجاج أن يبتعدوا عن كل ما يسبب الأذى والتشويش من سائر الأعمال كالمظاهرات والهتافات والدعوات المضللة والمسيرات التي تضائق الحجاج وتؤذيهم ، إلى غير ذلك من أنواع الأذى التي يجب أن يحذرها الحجاج . وسبق أن أوضحنا الواجب على الحاج بأن يكون كل واحد منهم حريصا على نفع أخيه وتيسير أدائه مناسكه ، وأن لا يؤذيه لا في طريق ولا في غيره ، كما أسأله أن يوفق الحكومة وأن يعينها على كل ما فيه نفع الحجيج وتسهيل أداء مناسكهم ، وأن يبارك في جهودها وأعمالها ، وأن يوفق القائمين على شئون الحج لكل ما فيه تيسير أمور الحجيج ولكل ما فيه إعانتهم على أداء مناسكهم على خير حال . كما أسأله عز وجل أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه ، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم وأن يصلح لهم البطانة ، وأن يعينهم على تحكيم شريعة الله في عباد الله ، وأن يعيذنا وإياهم من اتباع الهوى ومن مضلات الفتن ، إنه جل وعلا جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان . |